تقديم :
تعتبر مناظرة السيرافي لمتى بن يونس بشأن المنطق اليوناني من النصوص الأكثر ثراء في التراث العربي ، ومما
يزيد من ثرائها ، قابليتها للتجدد ، وانفتاحها على كثير من القراءات والتأويلات ،
ولا أدل على ذلك من تناول كثير من الباحثين لها في ثنايا كتبهم ومصنفاتهم .
فما هو الجو العام الذي
جرت في هذه المناظرة ؟ وإلى أي حد يمكن الاقتناع بما حققه السيرافي من الغلبة في
هذه المناظرة ؟
تمهيد :
عرف القرن الرابع الهجري نهضة فكرية غير مسبوقة في تاريخ
الثقافة العربية ، ويمن أن نرجع أسباب هذه النهضة إلى اتصال الحضارة العربية
الإسلامية بثقافات الحضارات المجاورة ، سواء بشكل مباشر كما حصل مع الثقافة الفارسة ، أو بشكل غير مباشر كما هو الشأن
بالنسبة للثقافة اليونانية
التي نقلت إليها عن طريق الترجمة . وقد كان لعلماء السريان الدور الكبير في
ترجمة الكتب اليونانية إلى السريانية ثم إلى العربية ، فكانوا هم القنطرة التي
عبرت عليها علوم اليونان إلى الثقافة العربية ، وكان الخلفاء إبان هذا الانفتاح
على الثقافات الأخرى ، يقربون علماء السريان ويستفيدون من خبرتهم في ترجمة الكتب اليونانية ونقلها إلى العربية .
ولعل هذه المناظرة التي بين أيدينا تعكس بشكل واضح دور السريان
في نقل الثقافة اليونانية إلى العرب ، ويتمثل ذلك في شخص متى بن يونس ، باعتباره من الفلاسفة السريان .
التعريف بأبي حيان التوحيدي :
لم ينل أبو حيان حظه من الاهتمام من قبل
المترجمين ، حتى قال عنه أحمد أمين في مقدمة تحقيقه لكتاب " الإمتاع
والمؤانسة " : " أبو حيان التوحيدي من أولئك العلماء الأدباء الذين
أصيبوا في حياتهم بالبؤس والشقاء ، وظل حياته يجاهد ويكافح في التأليف ، واحتراف
الوراقة والنسخ وجوب الأقطار ، يقصد الأمراء والوزراء لعلهم يكافئون علمه وأدبه ،
فلم يحظ من ذلك بطائل ...ولم يكن حظه بعد وفاته بأحسن من حظه في حياته ، فقد عجب
ياقوت الحموي من أن مؤرخي الرجال لم يترجموا له ، مع أنه فيلسوف الأدباء ، وأديب
الفلاسفة "[1] .
وحتى الذين ترجموا لأبي حيان نجد لديهم
تضاربا بشأنه، كما هو الحال في " سير أعلام النبلاء " للذهبي ، حيث وصفه
بالضال الملحد ، ونقل مقولة ابن الجوزي المشهورة : " زنادقة الإسلام ثلاثة :
ابن الراوندي ، وأبو حيان التوحيدي ، وأبو العلاء المعري ، وأشدهم على الإسلام أبو
حيان ، لأنهما صرحا ، وهو مجمج ولم يصرح " [2]
في حين نقل أقوالا ، تصف أبا حيان بالدين
والاستقامة ، ومن ذلك ما نقله الذهبي عن ابن النجارإذ يقول : " له المصنفات
الحسنة كالبصائر وغيرها ، وقال : وكان فقيرا صابرا ، متدينا " .
كما نجد البعض ينسبه إلى مذهب الاعتزال ،
وآخرين إلى التصوف . ولعل هذا التضارب حول
شخصية أبي حيان مرده إلى تلك البيئة المشحونة التي عاش فيها التوحيدي ، بحيث كان
يطبعها الصراع الفكري والكلامي بين طوائف الإسلام من معتزلة ، وأشاعرة ، وصوفية ،
وماتريدية وغيرهم ، ويحتمل أن يكون أبو حيان قد أخذ من كل هذه المذاهب دون أن
ينتسب إلى مذهب معين .
وقد تتلمذ على السيرافي وعلي بن عيسى الرماني ، وله مصنفات
، منها هذا الكتاب الذي ضمنت فيه هذه المناظرة ، وكتاب " المقابسات "
و" الصداقة والصديق " ، وكانت مصنفاته تقارب العشرين مصنفا ، حرقها في
آخر حياته انتقاما من الذين لم يقدروا مكانته ، ولم يضعوه في المنزلة التي يستحقها
، وقد نجا ما نجا منها ، وفقد جلها . وكانت وفاة أبي حيان حوالي سنة 414 هـ .
حول كتاب الإمتاع والمؤانسة :
كتاب الإمتاع والمؤانسة من الكتب التي
استأثرت باهتمام الباحثين والدارسين في الحقل الأدبي والفلسفي ، ويقع في ثلاثة
أجزاء . وقد وصفه القفطي بقوله : " وهو كتاب ممتع على الحقيقة لمن له مشاركة
في فنون العلم ، فإنه خاض كل بحر ، وغاص كل لجة ، وما أحسن ما رأيت على ظهر نسخة
من كتاب الإمتاع بخط بعض أهل جزيرة صقلية ، وهو : ابتدأ أبو حيان كتابه صوفيّا ،
وتوسطه محدثا ، وختمه سائلا ملحفا " [3]
وقسم أبو حيان كتابه إلى ليالٍ ، بلغت
سبعا وثلاثين ليلة ، يدون في كل ليلة ما دار فيها بينه وبين الوزير أبي عبد الله
العارض ، على طريقة السؤال والجواب .
ملخص المناظرة :
وفيما يلي جدول تقريبي لما دار بين متى
والسيرافي من حوار وما استدل به كل منهما :
السيرافي
|
متى بن يونس
|
حدثني عن المنطق ، وما تعني به ، فإذا
فهمنا مرادك فيه ، كان كلامنا معك في قبول صوابه ، ورد خطإه على سَنن مرضيّ ،
وطريقة معروفة.
|
أعني به آلة من آلا ت الكلام ، يعرف بها
صحيح الكلام من سقيمه ، وفاسد المعنى من صالحه كالميزان . فإني أعرف به الرجحان
من النقصان ، والشائل من الجانح .
|
أخطأت ، لأن صحيح الكلام من سقيمه ،
يعرف بالنظم المألوف ، والإعراب المعروف ، إذا كنا نتكلم بالعربية ، وفاسد
المعنى من صالحه يعرف بالعقل ، إذا كنا نبحث بالعقل ، وهبك عرفت الراجح من
الناقص من طريق الوزن ، فمن لك بمعرفة الموزون أيما هو حديد أو ذهب أو شبه ،
أورصاص .
|
إنما لزم ذلك لأن المنطق بحث عن الأغراض
المعقولة والمعاني المدركة ، وتصفح للخواطر السانحة ، والسوانح الهاجسة ، والناس
في المعقولات سواء ، إلا ترى أن أربعة وأربعة ثمانية سواء عند جميع الأمم ،
وكذلك ما أشبهه ؟
|
لو كانت المطلوبات بالعقل ، والمذكورات
باللفظ ، ترجع مع شعبها المختلفة وطرائقها المتباينة إلى هذه المرتبة البيّنة في
أربعة وأربعة وأنهما ثمانية ، زال الاختلاف وحضر الاتفاق
|
|
مع هذا أيضا ، إذا كانت الأغراض
المعقولة ، والمعاني المدركة لا يوصل إليها إلا باللغة الجامعة للأسماء والافعال
والحروف ، أفليس لزمت الحاجة إلى معرفة اللغة ؟
|
نعم
|
أخطأت ، قل في هذا الموضع بلى !
|
بلى ، أنا أقلدك في مثل هذا
|
أنت إذاً لست تدعونا إلى علم المنطق ،
وإنما تدعو إلى تعلم اللغة اليونانية ، وأنت لا تعرف لغة يونان ، فكيف صرت
تدعونا إلى لغة لا تفي بها ؟ وقد عفت منذ زمان طويل وباد أهلها ، ..على أنك تنقل
من السريانية ، فما تقول في معانٍ متحولة بالنقل من لغة يونان إلى لغة أخرى
سريانية ، ثم من هذه إلى أخرى عربية ؟
|
يونان وإن بادت مع لغتها ، فإن الترجمة
حفظت الأغراض ، وأدت المعاني ، وأخلصت الحقائق .
|
إذا سلمنا لك أن الترجمة صدقت وما كذبت
...ولا أخلت بمعنى الخاص والعام ، ولا بأخص الخاص ، ولا بأعم العام ، ـ وإن كان
ذلك لا يكون وليس هو في طبائع اللغات ولا في مقادير المعاني ـ فكأنك تقول : لا
حجة إلا عقول يونان ، ولا برهان إلا ما وضعوه ، ولا حقيقة إلا ما أبرزوه .
|
لا ، ولكنهم من بين الأمم أصحاب عناية
بالحكمة والبحث عن ظاهر هذا العالم وباطنه ، وعن كل ما يتصل به ، وينفصل عنه ،
وبفضل عنايتهم ظهر ما ظهر، وانشر ما انتشر، وفشا ما فشا ، ونشأ ما نشأ من أنواع
العلم وأصناف الصنائع ، ولم نجد هذا لغيرهم .
|
أخطأت وتعصبت وملت مع الهوى ، فإن علم
العالم مبثوث بين جميع من في العالم ، ولهذا قال القائل :
العلم في العالم مبثوث ..ونحوه العاقل
محثوث .
الناس عقولهم مختلفة ، وأنصباؤهم منها
متفاوتة .
|
نعم
|
فهذا التفاوت بالطبيعة
|
بالطبيعة
|
فكيف يجوز أن يكون هاهنا شيء يرتفع به
هذا الاختلاف الطبيعي والتفاوت الأصلي ؟
|
هذا قد مر في جملة كلامك آنفا .
|
أسألك عن حرف واحد ، وهو دائر في كلام
العرب ومعانيه متميزة عند أهل العقل ، فاستخرج أنت معانيه من ناحية منطق
أرسطاطاليس الذي تدل به وتباهي بتفخيمه ، وهو ( الواو ) ما أحكامه ؟ وكيف مواقعه
؟ وهل هو على وجه أو وجوه ؟
|
بهت متى وقال : هذا نحو ، والنحو لم
أنطر فيه ، لأنه لا حاجة بالمنطقي إليه ، وبالنحوي حاجة شديدة إلى المنطق ، لأن
المنطق يبحث في المعنى ، والنحوي يبحث في اللفظ . فإن مر المنطقي باللفظ فبالعرض
، وإن عثر النحوي بالمعنى فبالعرض ، والمعنى أشرف من اللفظ ، واللفظ أوضع من المعنى
.
|
أخطأت ، لأن الكلام والنطق واللغة ،
واللفظ والإفصاح والإعراب والإبانة والحديث والإخبار والاستخبار ، والعرض
والتمني ، والنهي والحض والدعاء والنداء والطلب ، كلها من واد واحد بالمشاكلة
والمماثلة . إلا ترى أن رجلا لو قال : " نطق زيد بالحق ، ولكن ما تكلم
بالحق ...."
|
|
النحو منطق ، ولكنه مسلوخ من العربية ،
والمنطق نحو ، ولكنه مفهوم باللغة ، وإنما الخلاف بين اللفظ والمعنى ، أن اللفظ
طبيعي ، والمعنى عقلي
|
يكفيني من لغتكم هذه ، الاسم والفعل
والحرف ، فإني أتبلغ بهذا القدر إلى أغراض قد هذبتها لي يونان .
|
أخطأت ، لأنك في هذا الاسم والفعل
والحرف ، فقير إلى وصفها وبنائها على الترتيب الواقع في غرائز أهلها ، وكذلك أنت
محتاج بعد هذا إلى حركات هذه الأسماء والأفعال والحروف ، فإن الخطأ والتحريف في
الحركات كالخطأ والفساد في المتحركات ، وهذا باب أنت وأصحابك ورهطك عنه في غفلة
، على أن هاهنا سرا ما علق بك ، ولا أسفر لعقلك ، وهو أن تعلم أن لغة من اللغات لا
تطابق لغة أخرى من جميع جهاتها ...
|
الأفكار الأساسية في المناظرة :
1 ـ الاختلاف حول الحاجة إلى المنطق
اليوناني وأهميته لمعرفة الحق من الباطل ، والحجة من الشبهة ، والصدق من الكذب ،
والخير من الشر ..
2 ـ ادعاء متى بأن المنطق ميزان يعرف به
صحيح الكلام من سقيمه .
3 ـ موقف السيرافي من المنطق اليوناني
وأنه لا حاجة إليه .
4 ـ الأدلة التي ساقها السيرافي لنقض
أطروحة متى حول المنطق اليوناني .
5 ـ إفحام السيرافي لمتى بن يونس .
6 ـ إشادة الوزير ابن الفرات ومن معه بهذا
الانتصار .
تحليل المناظرة :
يبدأ أبو حيان كلامه حول المناظرة بوصف
الجو الذي جرت فيه ، وتاريخ انعقادها بحضرة الوزير ابن الفرات ، وكان ذلك سنة 326
هـ . كما ذكر من حضرها من الأعلام الكبار مثل قدامة بن جعفر ، وعلي بن عيسى
الرماني وغيرهم .
ثم انتقل إلى ذكر موضوع المناظرة الذي
طرحه الوزير ابن الفرات على الجماعة الحاضرين بقوله : " ألا ينتدب منكم إنسان
لمناظرة متى في حديث المنطق ، فإنه يقول : لا سبيل إلى معرفة الحق من الباطل، والصدق
من الكذب ، والخير من الشر، والحجة من الشبهة ، والشك من اليقين ، إلا بما حويناه
من المنطق وملكناه من القيام به ، واستفدناه من واضعه على مراتبه وحدوده ، فاطلعنا
عليه من جهة اسمه على حقائقه ."
ثم ينتقل إلى الحديث عن انتداب السيرافي
نفسه لمناظرة متى واعتذاره لأصحابه لدى الوزير لعدم تصديهم لهذا الموقف . ثم تبدأ
المناظرة بسؤال السيرافي حول ماهية المنطق ومقصود متى منه . فيأتي جواب متى بأنه
آلة يعرف بها صحيح الكلام من سقيمه ، وأنه يعتبر بمثابة الميزان الذي يعرف به
النقصان من الرجحان .
بيد أن السيرافي اعتبر هذا الوصف خاطئا من
جهتين : الأولى ، أن الكلام يعرف سقيمه من صحيحه بالنظم والإعراب ، وأن
فاسد المعنى من صحيحه يعرف بالعقل .
الثانية ، استحالة معرفة
الميزان لكل صفات الشيء وما يتصل به عدا الوزن ، وهذه حجة عقلية .
وإذا كان المنطق في نظر متى بحثا عن
الأغراض المعقولة ، والمعاني المدركة ، والناس فيها سواء ، كما هو شأن الرياضيات ،
وأنهم غير مختلفين في جمع الأعداد ،
فإن السيرافي يدفع ذلك بأنه لو كان الأمر
كما وصف متى لزال الاختلاف بين الناس فيما هم فيه مختلفون ، وكان اتفاقهم في كل
شيء ، كما هو الشأن في مسائل الرياضيات .
هنا يصرح السيرافي بأن المعاني المعقولة
إذا كانت لا يتوصل إليها إلا عن طريق اللغة ، فإنه يلزم تعلمها ، وفي هذه الحالة
وجب علينا تعلم اللغة اليونانية .
ومع إقرار متى بذلك ، ينتقل السيرافي إلى
أن كلامه هذا يستلزم تعلم اللغة اليونانية
، وليس المنطق . وهنا يتساءل مستغربا من الدعوة إلى تعلم لغة بادت مع أهلها
وصارت نسيا منسيا . فكيف يعقل ذلك ؟
لكن متى يصر على أن الترجمة حفظت الأغراض
وأدت المعاني فلا جدوى من هذا الاستغراب . وفي هذه الحالة ينتقل السيرافي إلى
مرحلة أخرى من المحاجة ، فيسلم ـ على سبيل الجدل ـ بأن الترجمة حفظت الأغراض
والمعاني ، غير أن هذا التسليم يستدعي أن نقول بأنه لا حجة إلا عقول يونان ، ولا
برهان إلا ما وضعوه واخترعوه، وهذا مما لا يقول به عاقل ، لذا قيل :
العلم في العالم مبثوث ... ونحوه العاقل
محثوث
والناس عقولهم مختلفة ، وحظهم من العقل
متفاوت ، فهل يكون ذلك بالطبيعة أم بالاكتساب ؟
يجيب متى بأن ذلك حاصل بالطبيعة . وهنا
يأتي جواب السيرافي عن طريق الاستفهام الإنكاري الذي يقصد به الإفحام ، إذ لا يعقل
أن يرتفع ماهو مختلف ومتفاوت بأصل الخلقة بشيء حادث . ثم يستطرد في السؤال عن حرف
الواو ومعانيه في العربية وعن مواقعه ووجوهه . وفي هذه الحالة ينقطع متى ويعتذر
بأنه لا يعرف النحو ، وأنه لا حاجة بالمنطقي لمعرفة النحو .
التقييم :
يمكن أن نجمل موضوع المناظرة في اللغة
والمنطق ، حاول السيرافي أن ينقض فيها ما ذهب إليه متى من حاجة النحوي إلى المنطق
لمعرفة صحيح الكلام من سقيمه ، فراح يقدم الدليل تلو الدليل على أن النحو منطق
اللغة ، وبه يعرف الصحيح من الخطأ ، ولا حاجة للمنطق اليوناني مادام هناك نحو قائم
في كل لغة ، مشيرا إلى أن تفكير العرب وغيرهم تفكيرا منطقيا ، لا يعني بالضرورة أن
يكون مستمدا مما وضعه اليونانيون ، بل هو من وحي المنطق الطبيعي المركب بأصل
الخلقة في عقول البشر .
والحقيقة أن المناظرة طويلة ومليئة
بالإشارات ، وأحيانا يكتنفها الغموض ، مما يجعلنا نطرح أكثرمن تساؤل ، لذلك توقفنا
عند أهم ما جاء فيها دون تفصيل . فأول ما يلفت انتباهنا في هذه المناظرة هو بروز
شخصية السيرافي وإطنابه في الردود ، وفي المقابل نجد خفوتا لصوت متى ، واكتفائه
بالتوضيح و الإجابة بالنفي أو الإثبات في كثير من الأحيان ، وأحيانا يعترينا الشك
أن يكون هو متى الذي تتلمذ على يديه الفارابي وغيرهم ممن لا يحصون كثرة .
والذي يظهر أن هناك حلقة مفقودة في هذه المناظرة
، وإن كان يبدو عليها التماسك في الظاهر ، مما يستدعي مزيدا من التأمل فيها ،
والبحث في مدى مصداقية من نقلها .
ولعل الصراع بين أنصار القديم وأنصار
الحديث، والحساسية المفرطة تجاه كل ما هو دخيل ، كان الخلفية التي انطلقت منها هذه
المناظرة ، وهو ما يظهر جليا في ردود السيرافي المسهبة والتي توحي بشخصية تستأثر
بالكلام ولا ترى إلا نفسها في الميدان ، كما تدل عليه ردود أفعال الحاضرين والمناصرين
لموقف السيرافي وعلى رأسهم الوزير ابن الفرات الذي قال في ختام المناظرة : "
ما بعد هذا البيان من مزيد ، ولقد جل علم النحو عندي بهذا الاعتبار وهذا الإسفار
"
غير أن السؤال الذي يفرض نفسه الآن هو : ألا
يمكن تجاوز هذا الصراع القائم على التنافي ، إلى أرضية تسمح بوجود كل منهما ؟
رشيد لولو : 24 / 01 / 2012